تقع مدينة النبطية في منطقة تتوسط أمهات قرى جبل عامل ومدنه، وهي حلقة وصل بين الساحل والجبل والداخل. تبعد حوالي 28 كلم عن مدينة صيدا و20 كلم عن مرجعيون والمسافة نفسها عن جزين و40 كلم عن تبنين وأقل بقليل عن مدينة صور، وبقربها قلعة الشقيف (أرنون) التي تبعد حوالي 7 كلم.
يعود تاريخ النبطية إلى عهود ومراحل زمنية موغلة في القدم، وعن تسميتها فهناك اتجاهان لتحقيق هذه التسمية: الأول تاريخي يرده البعض إلى “الأنباط” الذين امتدّ نفوذهم من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول بعده ووصلوا حتى نهر الأولي مروراً بدمشق وكان مركزهم “بترا” على خليج العقبة. أما الاتجاه الثاني للتسمية فهو لغوي “نبطت الماء” أي تفجرت وسالت، نظراً لتواجد العيون في النبطية ويضيف: وقد دلّت الحفريات التي جرت في أماكن مختلفة من المدينة بأن هناك عهوداً حجرية مرّت بها، أقدمها العهد الحجري المشطوب ويتواجد على عمق يتراوح بين ثلاثة وسبعة أمتار ويعود تاريخه إلى حوالي الألف الثامن قبل الميلاد وآثاره هنا عبارة عن فؤوس حجرية، وأدوات مختلفة مصنوعة من الحجر “الضراني”. ثم مرّت المدينة بالفترة النيولونية ولا تزال هناك مغاور عديدة في المنطقة مثل “مُغر محلّى” عند المدخل الشمالي للمدين و”مغارة عش الغراب” (الموجودة في مرتفعات حي البياض إلى اليمين من طريق بلدة الكفور) التي تعرضت للنهب في مراحل سابقة وتحيط بها “عينجية” (اسم لعين ماء).
وعلى التلة القريبة منها المعروفة باسم “الخريبة” كانت تتواجد مدينة بيزنطية تقدر مساحتها بـ 35 دونماً، تتواجد فيها خزانات مياه تحت الأرض، ورؤوس عواميد قديمة وعملات نحاسية مختلفة وبقايا زجاجية وفخارية تعود إلى عهد إله الجبل “الجبلس” في الحقبة البيزنطية. وفي البلدة على مقربة من “عين الضيعة” يعتقد بأنها المنطقة المدفنية للنبطية حيث يطلق عليها اسم “قبر النورية”، ويتواجد فيها بقايا فسيفساء ملونة، ويستدلّ منها أنها كانت أرضاً لمعبد قديم على عمق 1.5 متر من سطح الأرض (مكان بناء مدرسة الزهراء الحالي). واكتشف صدفة طريق مرصوفة في “وادي فخر الدين” شمال غرب النبطية، ويعتقد بأنها جزءٌ من الطريق الروماني المقدس الذي سار عليه السيد المسيح من الجليل إلى صيدون. وخلال عهد الأنباط أخذت قوافلهم التجارية تغدو وتعود بين مناطق الداخل وساحل صيدا ومرفئها وأقاموا في المكان الذي حمل اسم “النبطية” محطة قوافل تجارية، ثم أماكن للسكن بصورة مؤقتة وتعلم السكان الموجودون في المحيط أعمال الفلاحة والزراعة ولاري منهم. وأقام الناس في مناطق عين الجمل، عين قبيس، وادي فخر الدين وفي المرتفعات الغربية والشرقية وفي النبطية الفوقا وخراجها، ثم تعززت أساليب الفلاحة بعدما استوطنت قبائل “عاملة” في النبطية وجبل عامل الذي منها استمد تسميته ولا يزال.
“تقع مدينة النبطية في منطقة تتوسط أمهات قرى جبل عامل ومدنه، وهي حلقة وصل بين الساحل والجبل والداخل. تبعد حوالي 28 كلم عن مدينة صيدا و20 كلم عن مرجعيون والمسافة نفسها عن جزين و40 كلم عن تبنين وأقل بقليل عن مدينة صور”
ولا زالت دور النبطية التقليدية ومساجدها وسوقها القديم وبقايا الخانات التاريخية تروي تاريخ المدينة التي يتأكله الإهمال والتعدي وغياب إي خطة للحفاظ على معالم المدينة بأستثناء مبادرات فردية بالأخص من إمامها العلامة الشيخ عبد الحسين صادق الذي أشرف منذ 2009 على ترميم مسجدها القديم الذي يعود إلى القرن السادس عشر والحسينية التي تعتبر الأقدم في عاملة ومؤخراً بادر إلى مشروع أحد أقدم منازل التقليدية في المدينة بعد أن تداعى بالكامل .
الصور هي لبعض منازل النبطية التقليدية والتي تحمل بعض ذاكرة المدينة وبعضها تآكل بفعل الا‘همال وبعضها إندثر والباقي ينتظر مبادرة إنقاذ!